أكاديميون لـ «الأنباء»: جائحة «كورونا» تحتم التركيز على تخصصات جامعية جديدة لمواجهة تحديات المستقبل
أكاديميون لـ «الأنباء»: جائحة «كورونا» تحتم التركيز على تخصصات جامعية جديدة لمواجهة تحديات المستقبل
بعد النجاح في الثانوية العامة كان لابد من استطلاع آراء الأكاديميين والمتخصصين حول ملامح القبول في الجامعة والتطبيقي، وكيف يمكن معالجة الازمة المرتقبة وأهمية التركيز على ضرورة الابتعاث الخارجي والداخلي في التخصصات الطبية.
«الأنباء» توجهت بسؤال للأكاديميين المتخصصين في مجال التربية والتعليم، فكان الإجماع على ضرورة التفكير في التوسع بالتخصصات الطبية والطبية المساعدة وكل ما يتعلق با��فيروسات والبيولوجيا، مطالبين جامعة الكويت والتطبيقي بتوفير هذه التخصصات بشكل سريع خاصة في ظل عزوف الكثير من الطلاب عن الابتعاث الخارجي بسبب التحديات الكبيرة والقيود المتنوعة التي تفرضها الدول على المسافرين، إضافة إلى قلق الكثير من الأهالي على أبنائهم الطلبة من تداعيات «كورونا».
وتحدث الأساتذة عن عدد من التحديات التي تواجه الجامعة والتطبيقي في ظل تخفيض الميزانية، مستعرضين أن من أبرز التحديات هو عدم توافر المرافق اللازمة لفتح تخصصات علمية جديدة أو التوسع بشكل خاص في التخصصات الطبية والتخصصات المساعدة لها، إلا أنهم طرحوا الحلول باقتراح الاستفادة من المباني الجامعية في الخالدية والشويخ وكيفان، والذهاب إلى فتح جامعة جديدة تستوعب الطلاب الراغبين في الالتحاق بهذه التخصصات، بعد ارتفاع النسب التي حصلوا عليها في الثانوية العامة.
وشدد الأكاديميين على ضرورة العمل على سد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل من خلال رؤى متكاملة واستراتيجية واضحة، تراعي التحديات المستقبلية والحاجة الماسة إلى تعديل التركيبة السكانية وتطبيق التكويت على مختلف الوظائف، فإلى التفاصيل:
بداية، قال وزير التربية ووزير التعليم العالي الأسبق وعضو هيئة التدريس بجامعة الكويت د.بدر العيسى: هناك حوالي 37 ألف طالب تقريبا أنهوا المرحلة الثانوية مؤخرا بمعدلات عالية غير مسبوقة وصلت إلى 100% نجاح، موضحا ان الطاقة الاستيعابية لجامعة الكويت 6000 طالب والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب تقريبا بحدود 20 ألف طالب والجامعات الخاصة تستوعب من 2000 إلى 3000 آلاف طالب فقط وهذا يمثل تحديا كبيرا.
وأضاف أن الطاقة الاستيعابية للكليات العلمية بالجامعة محدودة، وبالتالي فإن الجامعة ستحول الطلبة الراغبين في الكليات العلمية للقبول في كليات نظرية مثل كلية الآداب والتربية والشريعة والعلوم الاجتماعية بما قد يؤدي إلى تضخم في أعداد الطلبة بتلك الكليات، في حين أن سوق العمل لا يحتاج إلى كل هذا الكم الهائل من خريجي الكليات النظرية. وأفاد العيسى بأن الحل يكمن في فتح جامعة حكومية جديدة لاسيما أن هناك قانونا صدر، خاصا بالجامعات الحكومية ويمكنهم استغلال مواقع جامعة الكويت الحالية في الشويخ والخالدية وكيفان لفتح كليات علمية تستوعب أعدادا اكبر من الطلبة.
وأضاف: لابد من التنويه على أن أزمة القبول بالجامعات في الكويت ستظل مستمرة لمدة قد تصل إلى 5 سنوات لحين فتح الجامعة الحكوم��ة الأخرى لاستيعاب تلك الأعداد المتزايدة من خريجي الثانوية العامة، مطالبا بالاستعجال في فتح الجامعة الحكومية الجديدة.
أزمة كبيرة
من ناحيتها، قالت الأستاذة المشاركة في كلية التربية بجامعة الكويت وعضو مجلس الأمة «سابقا» د.سلوى الجسار: لقد جاءت النتائج الأخيرة للثانوية العامة (لم يرسب احد) مفاجأة لم تشهدها الأوساط التربوية والتعليمية، وتعتبر انحرافا خطيرا في خارطة إصلاح التعليم وتطوير مخرجاته.
وقالت الجسار: لقد كان لتداعيات أزمة كورونا في إقرار استكمال العام الدراسي بالتعلم عن بعد، وقد جاء القرار متأخرا حيث تم تعطيل التعليم لأشهر والذي أطلق عليه تعبير «مقتل التعليم»، والذي لم يكن في صالح الطلبة ولا المنظومة التعليمية، خاصة بعد اعتماد وزارة التربية نظام التقويم في تقسيم الدرجات الذي أثبت فشله الذريع في تضخم درجات الطلبة ونسب النجاح والتي لا تعكس مستوى التحصيل المعرفي والمهاري الفعلي للطلبة. وزادت أن التعرف على واقع مستوى المخرجات العامة للثانوية يرتبط بشكل مهم مع متطلبات الالتحاق في الجامعات والكليات، خاصة أننا نجد اليوم أعدادا من الخريجين ممن حصلوا على نسب تؤهلهم في الحصول على القبول ويتطلعون إلى الحصول على فرص القبول في الجامعات الحكومية أو الخاصة أو البعثات، ويجب أن نضع في الاعتبار أهمية تقييم الإمكانيات البشرية والمادية والفنية في مقدرتها على استيعاب جميع المتقدمين في جميع مؤسسات التعليم الجامعي، والتي ستواجه أزمة كبيرة في توفير شعب دراسية وقاعات ومختبرات خاصة مع تخفيض ميزانية الجامعة والهيئة، إضافة إلى ان ابتعاث الطلبة في بعثات خارجية سيتراجع مع أوضاع العالم في ظل استمرار جائحة كورونا.
تحديات متنوعة
وذكرت د. الجسار أن حاجة سوق العمل إلى التخصصات لتوطينها ترتبط أيضا بالمدخلات والمخرجات للمؤسسات الجامعية، مضيفة أن فحص الواقع الحالي لنتائج الثانوية يبرز عددا من التحديات التي ستنعكس نتائجها في التالي:
ـ عدم التوافق بين نسب النجاح في الثانوية العامة ونتائج اختبار القدرات في الجامعة، وهذا للأسف تكرر منذ تطبيق النظام الموحد في التعليم الثانوي، فنجد نتائج نسب النجاح في الثانوية العامة للعام 2019/2018 في القسم العلمي (70.38%) وفي القسم الأدبي (63.47%)، في المقابل نتائج نسب النجاح في اختبارات القبول بالجامعة في اللغة العربية، والكيمياء والرياضيات 50%، وفي اللغة الإنجليزية والفرنسية 60%، فماذا نتوقع لنتائج القبول في اختبارات الجامعة لهذه السنة؟
ـ التوسع في تبادل الاتهام بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات والكليات مع وزارة التربية من تدني مست��يات مخرجات التعليم الثانوي المعرفية والمهارية في مختلف التخصصات.
ـ وجود فجوة بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي والذي سيتطلب مستقبلا إلى إجراء العديد من الدراسات للوقوف على أسباب هذه الفجوة لأنه لا يوجد توافق في مضمون هذه المرحلة وما يرتبط به من تحديد الاحتياجات التنموية ومتطلبات سوق العمل.
ـ كما أنه بسبب القدرة الاستيعابية للجامعات والكليات أمام هذه الأعداد المتنامية ستلجأ هذه المؤسسات إلى سياسة الانتقاء من خلال شروط القبول والتي قد تتطلب إحداث العديد من التغيرات خاصة ونحن في جامعة الكويت هناك الكثير من التخصصات التي تعاني من التكدس أمام عدد من طلبات الالتحاق والتي تزيد على حاجة سوق العمل وبرامج التنمية، الأمر الذي سيؤدي إلى التوسع في أعداد انتشار البطالة أو التوظيف غير المدروس ولهذا سينعكس على زيادة الكمية في أعداد المتقدمين لمؤسسات التعليم العالي مقابل مشكلة تدني مستويات مخرجات التعليم الثانوي حتى مع استيفاء متطلبات وشروط الالتحاق لكن المتطلبات العلمية والمهنية قد لا تتوافر في كثير من أعداد الطلبة خريجي الثانوية، الأمر الذي سيترتب عليه طلب التحويل من الكليات ذات التخصصات الصعبة إلى الكليات السهلة لأن نظام التقويم في الثانوية العامة هو المسؤول الأول لتفاقم هذه المشكلة، وهي التعثر الأكاديمي والعلمي للعديد من الطلبة مما يعرضهم إلى الإنذارات في التخصص أو المعدل العام أو الفصل النهائي.
ـ مخرجات الثانوية العامة ستتعرض إلى كثير من الانتقادات لعدم تطابق مستويات تحصيلهم مع مستويات التعليم الجامعي الأكاديمي، وهذا سيعزز من اتساع الفجوة القائمة بين التعليم الثانوي والتعليم العالي خاصة فيما يتعلق بواقع تدني مستويات تحصيل الطلبة المتقدمين للالتحاق بالكلية الجامعية والبعثات.
وذكرت الجسار أن ظهور الفجوة بين معدلات النجاح في الثانوية العامة ومعدلات القبول من المتقدمين للالتحاق بالجامعات خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن امتحانات القبول تركز على المعارف والمهارات المتصلة في التخصص الذي يرغب الطالب المتقدم الالتحاق به، فإن هذا سيؤثر على إثارة العديد من التساؤلات حول مدى موضوعية وصدق نتائج الثانوية العامة ومدى تلبيتها للمتطلبات الأكاديمية في المؤسسات الجامعية والقبول في البعثات الخارجية، لهذا سنشهد هبوطا حادا واضحا في متوسط معدل امتحانات القبول في جامعة الكويت وأيضا في اجتياز اختبارات اللغة الإنجليزية والرياضيات والكيمياء والتي تعتبر متطلبا رئيسيا في القبول في البعثات الداخلية والخارجية، الأمر الذي سيؤدي إلى أن عددا من الطلبة سيواجهون تعثرا من عدم تمكنهم من الحصول على القبول او الفصل من البعثة.
التنمية البشرية
من جهته، قال رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت د.إبراهيم الحمود إن العام الحالي كان عاما استثنائيا بسبب جائحة كورونا التي أصابت العالم أجمع وأثرت على جميع مناحي الحياة، ومنها مخرجات الثانوية العامة، لافتا إلى أن المعدلات التي حصل عليها الطلبة مرتفعة جدا، ومن ثم فقد أصبح عدد المستحقين لدخول جامعة الكويت باعتبارها الجامعة الحكومية الوحيدة في الكويت وكذلك البعثات الداخلية للجامعات الخاصة كبيرا جدا. وتابع قائلا: جائحة «كوفيد-19» كشفت للدولة حقيقة التخصصات المطلوبة في المرحلة المقبلة، حيث يتحتم التركيز على التخصصات العلمية والطبية وعلى الأخص التخصصات المتعلقة بعلم الفيروسات والبكتيريا وعلوم الصيدلة والطب بتخصصاته المختلفة، وبالتالي فإن التركيز مطلوب خلال الفترة المقبلة على تلك التخصصات في ظل استمرار فيروس كورونا المستجد ـ كوفيد 19. وأوضح الحمود انه لا يمكن أن يتجنب الإنسان الأمراض إلا بالوقاية والعلاج وهذا يتوافر من خلال التنمية البشرية وتأهيل الكوادر اللازمة لمواجهة ذلك، موضحا أن هناك تخصصات يمكن الاستغناء عنها في الوقت الراهن، وفي المقابل زيادة البعثات للتخصصات الطبية والعلوم الطبية المساعدة ومنها التمريض.
وقال الحمود: لا بد من تعزيز التخصصات الطبية وفتح كليات طبية جديدة في الدولة لاستيعاب أعداد اكبر من الطلبة في تلك التخصصات المطلوبة في المرحلة المقبلة.
مهمة صعبة
من جانبه، ذكر رئيس رابطة أعضاء هيئة التدريس للكليات التطبيقية في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د.يوسف العنزي انه بعد نسبة نجاح الثانوية العامة والتي بلغت قرابة 100% ومع عزوف البعض عن التقدم للابتعاث وبعض القيود التي تفرضها بعض الجامعات الخارجية وصعوبة السفر نتيجة تداعيات جائحة كورونا، بات الضغط يتركز على جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب كونهما الوجهة الأولى لخريجي الثانوية.
وأردف قائلا: مما سيضاعف المهمة على هاتين الجهتين خاصة في ظروف مالية سيئة بعد التخفيض في الميزانية الذي نال من الجامعة والتطبيقي ليتمكن كل منهما من مواصلة الجهود لقبول أكبر عدد ممكن من الطلبة وتفادي حدوث أزمة قبول حقيقية.
الوظائف الفنية ومعالجة التركيبة السكانية
قالت الأستاذة المشاركة في كلية التربية بجامعة الكويت د.سلوى الجسار إن ارتفاع الطلب في زيادة الإقبال من المتقدمين من الطلبة الالتحاق بالتخصصات الأدبية في كليات الجامعة وهذه للأسف لاتزال تشكل ظاهرة سلبية تعاني منها جامعة الكويت في ارتفاع أعداد الطلبة في الكليات الإنسانية مثل الآداب والتربية والشريعة والعلوم الاجتماعية والتي مازال الطلب على وظائفها في تراجع في سوق العمل، وفي المقابل انخفاض معدل المسجلين في التخصصات العلمية المطلوبة مثل الطب وتخصصات العلوم والطب المساعد والصيدلة وطب الأسنان.
ولفتت الجسار إلى أن حالة عدم التوازن بين مخرجات التعليم الجامعي واحتياجات سوق العمل وتكويت الوظائف، تقودنا إلى أهمية الحاجة الماسة إلى التوسع في مؤسسات التعليم الفني والمهني (الكليات التطبيقية والمهنية) التي يمكن أن تستوعب هذه الأعداد المتنامية في مخرجات التعليم الثانوي ما يسهم في توطين العديد من الوظائف الفنية كأحد أهم الحلول المستدامة في معالجة التركيبة السكانية.
وتابعت الجسار أن هذه النتائج ستكون ذات كلفة مادية عالية في ظل الظروف الاقتصادية التي تواجهها الدولة، من خلال التحاق أعداد من الطلبة في المقررات التمهيدية قبل البدء في دراسة التخصص الفعلي، كما سيؤدي إلى زيادة الطلب على فتح شُعب دراسية لاستيعاب هذه الأعداد، الأمر الذي سينعكس على تراجع جودة المخرجات وكفاءتها في التخصص العلمي والأكاديمي.
وأضافت: لهذا، من أبرز الحلول لمواجهة هذه المعضلة الخطيرة، هو إعادة النظر في هيكلة التعليم الجامعي في طرح أربعة فصول دراسية بحيث يتم تقديم فصلين صيفا، مدة كل منهما شهران، وذلك لمدة 3 سنوات ثم العودة إلى النظام الحالي وفق 3 فصول دراسية، وذلك لاستيعاب نسب الأعداد التي ستلتحق بالجامعات الحكومية، مع زيادة البعثات الداخلية والخارجية وفتح تخصصات جديدة تتطلبها أسواق العمل، مثل (الذكاء الصناعي، البرمجيات، الهندسة الوراثية، التعلم الرقمي وغيرها).