قصص عن الرجولة
قصص عن الرجولة.. ظهر مسمى جامع لصفات المروءة والشهامة والتعاون والنجدة في الشدائد بمسمى واحد فقط وهو الرجولة، ولعل هذا المسمى ليس قاصراً على الذكور فقط، فهناك فتيات ونساء امتلكن كل تلك الصفات مجمعة، ويمكن أن يطلق عليهن صفة الرجولة، ومن بين القصص عن الرجولة الكثير، ومن بينها ما يلي.
- توجد بعض المشاهد التي اعتدناها في مجتمعاتنا العربية، والتي ألفناها وجعلناها واحدة من ضمن عاداتنا، والتي تعتبر من المرفوضات والأخطاء عدم القيام بها، وتلك المشاهد منها مساعدة الصديق لصديقه وقت الحاجة إليه، وفي هذا الكثير والكثير، ولعل تلك الصفة دخلت في إطار العرف المتبع بين الناس لما لها من أجر في مساعدة الغير، وكانت المساعدة في قصة واقعية، وهي كما يلي.
- كانت امرأة تسير آمنة مطمئنة في أحد الأماكن الشعبية ضيقة الطرقات متجهةً إلى بيتها بعد يوم شاق من العمل، وقد تقاضت كامل راتب الشهر وتحمله في حقيبتها، وجاء أحد اللصوص ممتطياً دراجة نارية وقام بسرقة الحقيبة من يدها وفر منها مسرعاً، وما كان من المرأة إلا أن تقوم بالصراخ عليه، وتنبه الناس حولها بكلمة واحدة “حرامي …… حرامي”.
- تلك الاستغاثة دوت في تلك المنطقة بقوة، وتأهب الرجال من سكان المنطقة والمارة لملاحقة هذا السارق، ومنهم من حاول الاتصال بالنجدة، ومنهم من قرر قطع الطريق أمام ذلك السارق، ومنهم من قرر أن يركض على قدميه صوبه غير آبهاً إن كان هذا السارق قد يحمل ما يؤذيه أم لا.
- حتى تم الإيقاع بهذا السارق في أحد الطرق التي قام أهلها بغلقها بأجسادهم، وسدوا الطريق أمامه، واستطاعوا الإمساك به، وإعادة المسروقات إلى صاحبتها، لا يعرفونها ولا هي أيضاً تعرفهم، ولكن هكذا تقتضي الرجولة فيما بيننا، وعلى النقيض تجد الكثير من المجتمعات الشوهاء لا يجد فيها المستغيث من يساعده.
- وعند الحديث عن الصداقة فهناك رجلان تصادقا على الخير، وجمعت بينهما الأعمال، حتى توطدت علاقتهما ببعضهما البعض، وجاء أحدهما يقول للآخر وهما جالسان في مكانهما المعتاد في المقهى، يخبره ويشكو له ضيق حاله، وأنه مطلوب منه أن يبدأ في جمع المال الذي يحتاجه لإتمام زفافه، وكان صديقه الآخر يقوم بجمع المال حتى يقوم بعمل عملية في عينيه كونه ضعيف النظر، فقد كان يملك حينها مبلغ ليس بالكثير ولكنه يمكن أن يساعد به صديقه، فما كان من مالك المال إلا أن يعرض على صديقه بأن يأخذ ما جمع كله، ولو على سبيل الدين إلى أن ييسر له المولى- عز وجل- وبعد ذلك يرد المال.
- فكانت المفاجأة من الرجل الآخر، بأنه يشتكي له حاله فقط ولا يريد مساعدته، بالأخص لأنه يعلم سبب جمع تلك الأموال، وبدأت المناقشة بينهما تحدد شيئاً فشيئاً، حتى أقسم صاحب المال أن يأخذ صاحبه المال كله، ويرده وقتما استطاع على ذلك، وقد كان، وهو الآن يتجهز لحضور زفاف صديقه المقرب، وأقسم صديقه على أن يجعله شاهداً على عقد قرانه محبةً منه وإعراباً عن امتنانه له.
أين الرجولة في هذا الزمان
لكثرة ما نرى اليوم من مشاهد خارجة عن إطار الخلق والصفات الحميدة وحتى الدين بدأ الحديث عن الرجولة في هذا الزمان، بالأخص بعد ما رأينا من مشاهد لوعود يتم الإخلاف بها، ولأمانات لا يتم حفظها وصونها، ولكن ما زال هناك يمكن أن يوصفوا بالرجولة في مجتمعنا الحالي، ولكن بمفهوم أقل من حيث المعنى، فالرجل اليوم من يستحق لقب رجل فعلاً، هو من يقيم حد الله، ولا يخلف ويحاول التكفير عن ذنوبه وبعمل بكلام المولى- تبارك وتعالى- وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- في الأرض وفي تعامله مع غيره، ولعلنا نرى أمثلة لهؤلاء الرجال، ومن ضمنهم كل من.
- رجل يمنع نساء بيته من الخروج في زي لا يليق بهن، سواء كان ذلك في المصيف أو السفر خارج البلاد أو حتى لشراء بعض المأكولات من البقالة، خشية من الله، وليس خشية من الناس.
- رجل تقدم لخطبة فتاة وكانت ظروفه المادية لا تسمح في هذا الوقت لمثل هذا، وطلب من أهل العروس أن يمهلوه الوقت، فيعمل ويثابر حتى يفوز بزواج صالح، ولا يعمل على جعل قلب خطيبته يميل إليه ويتعلق به، حتى تكن وسيلةً للضغط على أهلها، أو حتى بعد ذلك يهجرها، ويضيع عليها كل تلك المدة التي كانت تنتظره فيها، حتى صار سنها كبيراً، وإنما كان يحاول قدر استطاعته أن يلتزم بالرؤية الشرعية، في دار أهلها في حضور والديها، ويبرهن لهم في كل مرة أنه يتحضر أكثر لإتمام الزواج.
- رجل توفى أبوه وهو في سن صغير، وتركه هو وأمه وأسرته بلا عائل ولا مصدر للدخل، فعمل وكد حتى نجح في أن يتمكن من الإنفاق على أسرته، وهو في سن صغير، ولا يشعرهم بأي نقص أو تقصير، بل وينجح في دراسته وبعد ذلك عمله، فهذا وإن صغر سنه يزال رجلاً.
- شاباً أعطاه الله من الصحة والبنيان القوي؛ ليكون عوناً للعاجزين ويساعد غيره في حاجاتهم، ولا يستخدمها في أمور الظلم والبغي على حقوق الناس.
معنى الرجولة في الإسلام
أما الرجولة في الإسلام ففيها الكثير من الحديث، ولعل الله- تعالى- قد ذكرها لنا صريحة في القرآن الكريم ليبرهن لنا عن معنى الرجولة في الإسلام، وكان ذلك في قوله- تعالى-: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلً) (سورة الأحزاب الآية: 23) وبتلك الآية يستدل العلماء على أن ليس كل الذكور من بني آدم من الرجال، ولكن الرجال لهم صفات مميزة لهم، فمن المؤمنين وهم الأعلى مرتبة من المسلمين من الناحية الشرعية، فمن هؤلاء المؤمنين رجال.
- يتصفون بأنهم يصدقون ما يعاهدون به الله من الصبر على البأساء وتحمل الشدائد والصعاب، ومن هؤلاء الرجال من فرغ من العمل الذي واعد به الله وأوجبه على نفسه، وبعضهم الآخر ما زالوا على عهدهم، وقيل أن الآية الكريمة نزلت في بعد غزوة بدر.
معنى الرجولة الحقيقية
كلمة الرجولة في ذاتها هي كلمة شاملة للكثير من الصفات الحميدة، وفي القرآن الكريم كما ذكرنا تعد وصفاً لمن يعد الله على أمر يلزمه على نفسه أمامه وأمام الله ويفي به لآخره، وعلى قصة الرجولة فيقوم أمير عبد الرحمن بن عوف– رضي الله عنه-: (إنِّي لفي الصف يوم بدر، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فَتَيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرًّا من صاحبه: يا عم أرني أبا جهل. فقلت: يا ابن أخي، وما تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه. فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، فما سرني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء)
- فهذان فتيان صغيرا السن، حديثا العهد بالإسلام، عهدا الله- جل جلاله- بأن يقاتلا أبي جهل نفسه، وقد كان كبير الحجم ضخم البنية شديد القوة، غير أنه كبير قومه حينها، فإما أن يقتلاه أو يقتلهما هو، وانطلقا عليه انطلاقة الصقور نحو الفريسة، دلالة على شدة سرعتهما في الهجوم دون الخوف منه على الإطلاق.