كيف تضبط التوازن بين الدراسة من جهة والسلامة النفسية من جهة أخرى؟
الحياة كلها مسألة توازن وضبط إيقاع، ليس فقط في الدراسة والسلامة النفسية، بل في العمل.. الزواج.. العلاقات الاجتماعية، وغيرها من شتى مسائل الاتصال الإنساني ومشارب الارتباط مع المحيط الحيوي من حولنا.
سواءً كان ذلك المحيط تعليميًا، أو عاطفيًا، أو متعلقًا بالعمل، أو أي شيء آخر.
إلا أن الطالب هو العنصر الأكثر حساسيةً، كونهُ ما يزال في بداية المشوار، وتكون أكوام الكتب والمحاضرات المتكدسة تلالًا فوق رأسه. إضافةً لرغبة الأهل في تحصيله أعلى الدرجات، وارتياد أفضل الجامعات، مما يجعل الحمل ثقيلًا جدًا فوق ظهره.
حينها من الممكن أن تؤثر كل هذه المسؤوليات على وضعه الجسدي الفيزيائي، قبل سلامته النفسية والعقلية حتى!
إذ وجدت إحدى الدراسات أنّ هناك اختلاف في النتائج المترتبة على الطالب بشكل عام عندما يمضي وقته قاصدًا الراحة النفسية أو الراحة الجسدية.
إذ وجدوا أن الدرجات الدراسية الجيدة تترافق مع فترات تركيز وجلوس مطوّل، في حينّ إن أردت الحصول على صحة جسدية متينة، فأنت بحاجة لزيادة نشاطك وتجنّب الجلوس قدر الإمكان!
كما كانت ساعات النوم الطويلة مهمة أيضًا للراحة النفسية.
فالموضوع هنا مثل لعبة شد الحبل بين طرفين، عليك تحديد ما هو الجانب الأهم لك كي تشده، مع العلم تمامًا أن شد هذا الحبل سيؤدي لنقصانه من الطرف الآخر.
إلا أن الحلول لا تنفذ، ولا بد من مخرج لهذه الحالة الحرجة، تجعل الإيقاع ينضبط بشكل أكثر انسجامًا ما بين الدراسة والصحة النفسية والجسدية معًا.
التركيز في الدراسة يحسن الدرجات.. لكن ليس كما تعتقد!
أظهرت دراسة أجريت على مدار 30 عامًا تقريبًا، أنّ الطلاب الذين يلتزمون بواجباتهم الدراسية يحصدون كمًا أكبر من الدرجات. إلا أن الدراسة بشكل عنيف جدًا، لن تُحدث الكثير من الفروقات المهمة.
إذ أظهرت دراسة أمريكية أن المتوسط لدرجات الطلاب بالمدرسة الثانوية زاد بمقدار 1.5% لكل ساعة إضافيةً من الليل أمضاها الطالب وهو يدرس.
فتلك الدراسات التي تربط ما بين الدراسة ودرجات الطالب، غالبًا ما تقوم بإغفال أنّ لا علاقة ترابطية بين الأمرين. فمن غير المرجح أن تزداد درجات الطالب الذي يدرس 10 ساعات من الليل ولا ينام أبدًا بمقدار 15%! لأن جهازه العصبي سينهار قبل أن يدخل الامتحان!
فالأمر ربما قد ينجح مرة أو مرتين في فترات الامتحانات الصعبة، إلا أنه أبدًا لا ينفع كروتين يومي على مدار أسبوع وشهر وفصل دراسي بكامله.
خصوصًا أن النوم ونيل قسط كافٍ من الراحة مهم جدًا لتعزيز الذاكرة وتقويتها.
فكما يعلم الجميع، يتكوّن كل يوم 24 ساعة، وكل ساعة دراسية إضافية، ستكون قد اقتطعت من ساعات أخرى، مما سيؤدي لترجيح جانب على جانب آخر.
كما وجدت دراسة أخرى، أنّ عملية التضحية بالنوم في سبيل تحقيق ساعات دراسة إضافية، يؤدي لعطب في الذاكرة ومشاكل في التعلّم في اليوم التالي.
إذ أفاد بعض الطلبة من حوالي 12 صفًا، أن أولئك الذين خضعوا لثلاث ساعات إضافية من الدراسة كانوا أقل تركيزًا وعانوا من مشاكل أثناء المحاضرات في اليوم التالي.
ولا ننسى أيضًا أن إهمال التمارين والحركة الفيزيائية لصالح الدراسة سيضر بالطلاب أكثر من إفادتهم، فالعامل الرياضي مهم جدًا في صقل عملية التعليم والتفكّر، خصوصًا تنمية الجوانب الإبداعية لديهم.
أحيانًا لا بد مِن بعض المقايضات
ماذا يعني تحسين الوضع الدراسي للطالب من ناحية الدرجات في حين تحصيل درجات عالية من تعاسته في نفس الوقت؟ كيف يمكن تحسين الناحية الدراسية والرهان على إحباط الجسد ولربما تدمير الناحية النفسية؟ فالتركيز الصريح على الدارسة وتوابعها يعني -بشكل أو بآخر- إهانة الجوانب الأخرى.
إذ وجد باحثون من الولايات المتحدة الأمريكية أن القدر المناسب من ساعات النوم للطلاب في عمر 15 سنة هو حوالي 8 ساعات و45 دقيقة!
لكن إن أردت درجات دراسية أعلى فلا بد أن تنام أقل من هذا بساعة واحدة.
وهنا نصبح أمام مقايضة لا بد من إجرائها.
هل الفترة الآن هي فترة امتحان؟ هناك فحص مهم لا بد من خوض غماره؟
في حال كان ذلك، يمكن التضحية ببعض السويعات خلال أوقات محددة، لتكون المقايضة رابحة ها هنا.
أما في حال استحال نظام «عوز النوم» ليكون روتين كل يوم وأسبوع وشهر، حينها لا بد من تعديل هذه المقايضة، لأنها خاسرة بكل النتائج الممكنة! ستخسر الدراسة والسلامة النفسية معًا!
سواءً على الجسد والنفس، أو حتى درجات الدراسة وعمليّة التعلّم حتى!
السعي نحو ضبط الإيقاع وتحقيق اليوم المثالي
بناءً على نتائج إحدى الدراسات، فقد كان اليوم المعتدل هو المثالي لتحقيق جميع أنواع الصحة؛ سواءً العقلية المعرفية المتعلقة بالدراسة أو الجسدية والنفسية. إلا أنه يحتاج لبعض التنازلات التي قد تكون قاسية بعض الشيء.
فلو أردنا الحفاظ على الجوانب الثلاثة معًا قدر الإمكان، ولو كانت العينة هي تلميذ عمره 12 سنة، فإنه سيحتاج للتالي:
- 10.5 ساعة من النوم.
- 9.5 ساعة من السلوك الاعتيادي (مشاهدة تلفاز، الجلوس، الدراسة العادية.. إلخ).
- 2.5 ساعة من النشاط البدني الخفيف (التسوق، المشي.. إلخ).
- 1.5 ساعة من النشاط البدني المعتدل إلى القوي (رياضة، جري سريع).
ولوحظ أيضًا من خلال هذه الدراسة، أنّ الأولويات لدى الطلبة تختلف تبعًا لوقت أو لآخر. فمع اقتراب الاختبار، يكون التحصيل الأكاديمي والتركيز على الدراسة في أقصى أوجهِ. أما فيما دون ذلك من الأوقات، فإنهم يرغبون في العناية بأنفسهم والاهتمام بصحتهم العقلية والنفسية قدر الإمكان.
فلا يوجد مقاس واحد وخريطة جامدة يمكن أن يُفصّل الجميع على مقاسها لتحقيق متطلبات الدراسة والسلامة النفسية معًا، بل تبقى القضية رهينة كل طالب وما لديه من حيثيات.
يمكن تشبيه الأمر للأنظمة الغذائية، هل هناك نظام غذائي مثالي؟
هناك أنظمة صحية، لكن أيضًا هناك حيثيات تبعًا لكل جسم وطبيعته وما هو طوله وهل هو نحيف أو بدين وما إلى ذلك.
فلا يمكن إعطاء حمية غذائية عالية الدهون والكربوهيدرات لإنسان بدين! في حين لا يمكن التركيز على الألياف والفيتامينات لشخص يعاني من النحافة الشديدة!
فالأمر نسبي ويتبع كل شخص على حدة.
إلا أن ما لا يختلف فيه أحد، أن ضبط الإيقاع بين جميع الجوانب هو الخيار الأمثل لصيانة شتى جوانب الجسد ومتطلباته، سواءً المعرفة والنفسية وغيرها.
كما أنه لا بأس ببعض المقايضات بين كل فينة وأخرى عندما تلح الحاجة، إلا أنه ينبغي تجنب الإجهاد طويل الأمد، الذي يؤدي لـ «تكدس تعبي» مزمن، يضر بدرجات المدرسة وظهر الطالب وصحته النفسية وكل شيء آخر يملكه!