مرحلة الطفولة المبكرة

التقنية الرقمية وأثرها على الإبداع الجديد للطفل 

التقنية الرقمية وأثرها على الإبداع الجديد للطفل
لقد شكلت التقنية الرقمية قوام الحياة اليومية للأفراد الآن (وﺇن ﺇختلفت من مكان إلى آخر, ومن دولة إلى أخرى)، أصبحت “المعرفة” تقود إلى الثروة والتحديث من خلال “الإبداع” و”اﻹبتكار” سواء في المشروعات الاقتصادية أو الثقافية.

المناهج التعليمية

أصبح “الإبداع” صناعة تنافسية، وهو ما يطلق عليه حاليا بـ “تصنيع الإبداع”. وقد كشفت الإحصاءات في مجال “حقوق النشر الأميركية” بـ 791 بليون دولار أي 7, 8% من مجمل الدخل القومي. يعمل بها 8 ملايين عامل. عائد التصدير منها حوالي 89 بليون دولار، وهو ما يفوق عائدات تصدير صناعة السيارات والصناعات الكيماوية وغيرها.

هذه الصناعات الإبداعية (الرقمية الجديدة). الآن تجتذب هذه التقنية في جانبها الابداعى الموسيقيين والفنانين والعلماء، وكذا الأدباء.. مع مناخ مجتمعي/المستهلك الطبيعي، تحت مظلة إعلامية ناجحة، باتت صناعة المستقبل. وهو ما يدفعنا إلى أهمية اللحاق بها، والبحث في جوانبها.

قال روبرت لوباج عام 1997 عن أعماله التي تعتمد على فكرة/تقنية الإ��داع التنقيحي، أنها أشبه بالصينية الممتلئة بالمشهيات، نختار منها ما نشتهى. أما الإبداع التنقيحي فهو المعتمد على فكرة الاختيار وإعادة الترتيب والإضافة، مثل الفكرة الموسيقية “جوكى ديسك DJ” حيث الصوتيات القصيرة والمتقطعة وإعادة مزج الألحان الأصلية وإعادة ترتيبها لخلق موسيقى جديدة. وغيرها من الأشكال الجديدة في كافة الفنون والآداب.

وقد استتبع بما يعرف بميزة “الإبداع التنقيحي” بخصائصه: التفاعلية، سواء للترفية أو التعليم.. واﻹنتقائية، سواء للمحتوى أو الشكل. وهو ما ينتج أعمالا هجينة تعتمد على الإبداع التعاوني بين عدد من المبدعين.

هذه الممارسات الإبداعية الجديدة أتاحت للإعلام الرقمي (مثلا) الإذاعة والهواتف والتليفزيون والمواقع الإلكترونية، أتاحت القدرة على استقبال ونقل المحتوى.

كما يمكن الإشارة إلى أن الممارسات الإبداعية في الصناعات تجد لها تطبيقا حياتيا في النشاطات العامة المجتمعية.. مثل عروض الصوت والضوء في المواقع التاريخية والتراثية, وفى مهرجانات الشباب اﻹحتفالية مع الألعاب النارية والموسيقية, فضلا عن التعليم.

ويبقى في النهاية القول بأن موضوع “التقنية الرقمية” باعتباره أحدث ما أنتجته القريحة البشرية، من الموضوعات المهمة للبحث.

الآن وبالنظر إلى الوسائط المعلوماتية والتكنولوجية الجديدة, فلا حيلة لنا إلا الاعتراف بأن أدب الأطفال له محاوره وأهدافه (التي يبدو أنه غير مختلف حولها), وكل ما يقدم للطفل فهو في جعبة “ثقافة الطفل”, تلك التي تتضمن “العلم والمعرفة، الثوابت العقائدية الدينية، العادات والتقاليد، الفنون الأدبية والتشكيلية والموسيقية والحركية والفنون الشعبية”.

أليس “الكتاب اﻹلكتروني” الآن في جملة خصائصه, يحمل مجمل ما يمكن أن يقال ويكتب للطفل على أنه أدب ويزيد (حيث الكتاب الالكتروني يتضمن بالإضافة إلى المضمون والمحتوى تلك المؤثرات الصوتية والصورة المتحركة والتداخل بينها وفنون التشكيل والإخراج الفني وغيره)؟

لعله من المناسب أن يكون مصطلح “ثقافة الطفل” أجدى للحديث ونحن نقصد الحديث عن “أدب الطفل”، نظرا لتعدد المعارف والوسائط والاحتياجات الجديدة للطفل بما يتناسب ومرحلته السنية والبيئة الثقافية الجديدة في العالم كله.

• بدت أشكال ﺇستخدامات جهاز الكمبيوتر كالتالي:

كتابة العمل اﻹبداعى على صفحة الويب أو شاشة الكمبيوتر, ثم حفظه.. وهو ما يعنى أن ﺇستخدم الكمبيوتر كما الورق في التسجيل ثم الحفظ.

كما تناول بعض الأدباء استخدام مصطلحات ومحتويات شبكة النت ضمن نسيج أعماله الإبداعية. وهو ما يعنى دخول الجهاز وشبكة النت ضمن هموم الكاتب، ومن نسيج عمله اﻹبداعى (الورقي). ويمكن الإشارة إلى رواية الروائي ياسر شعبان المسماة “أبناء الديمقراطية”، كما أن هناك محاولة ناجحة في عدد من القصص القصيرة. بالإضافة إلى بعض الأعمال الإبداعية في “أدب الطفل” وهو ما سنشير إليها لاحقا.

ثم كان من الأدباء من تجاوز اﻹقتراب الشكلي من النت وسعى إلى إبداع جديد يعتمد على الإمكانات غير التقليدية التي تتيحها الشبكة. وظف الصورة والصوت واللون والحركة ثم الكلمة أخيرا في إبداع جديد يسمى “الإبداع الرقمي” وهو يعتمد على إنتاج ما يشبه الفيلم السينمائي وفهم المبدع لتقنيات المونتاج والمكساج والتلوين والإخراج الفني بالإضافة للإبداع بالكلمة, إلا أن الكلمة تقهقرت في الترتيب بين عناصر الإبداع. فكانت محاولات في الرواية والقصة الرقمية, وفي المسرح الرقمي. (الإبداع الرقمي أكثر شيوعا في أوروبا وأميركا عنه في العالم العربي, إلا أنه ينتظر شيوعه وتعدد كتابه وقراءه بل ونقاده مستقبلا).

ليس أمامنا إلا التأكيد على أهمية وجود الطفل/القارئ الجديد للمعطيات الرقمية “أدب.. العاب .. كتب رقمية.. معارف ومعلومات”، وهو ما يلزم معه التعرف على بعض اﻹصطلاحات ودلالاتها الجديدة مع التقنية الجديدة:

* ما القراءة؟

هي عملية إرادية، متفق على قواعدها، لفك طلسم ما، وتحويله من رمز إلى معنى ودلالة متفق عليها سلفا، وهو المعنى البارز في قراءة اللغات، سواء المعتمدة على الشكل “مثل الهيروغرافية” و”المسمارية” و”الصينية”، أو المعتمدة على “حروف الأبجدية” فقط التي عرفتها أغلب اللغات في العالم فيما بعد.

وقد حدد محمد سعيد العريان أشكال القراءات بالأنواع التالية: القراءة للتسلية، وهذا النوع من القراءات (أدواتي) في وسيلته وغايته ولذلك فهو متبوع غالبا بالنسيان.

النوع الثاني: “المطالعة” أو القراءة لأداء الواجب. .وهي مقترنة بالحفظ لأنها متبوعة باﻹستظهار. وهذا النوع من القراءات هو الأكثر هيمنة على الوسط المدرسي.

النوع الثالث: القراءة لسد حاجة عاطفية أو عقلية أو مهارية. وهذا النوع من القراءات هو صانع النمو بكل أشكاله، وباني نمو الشخصية بكل ﺇمتداداتها. وإذا كان لا بد للقراءة أن تكون منتجة فربما كان هذا النوع هو الأنسب. وهى متبوعة بالمتعة واﻹكتشاف، وحرة. لذا يغلب على ممارسيها “الإحساس بالجماعة – اﻹجتهاد والبحث – الرغبة في المناقشة”.

إن أزمة القراءة في الوطن العربي لا تقترن فقط بغلاء الكتاب أو تفشي الأمية أو نخبوية اهتمامات الكتاب. إن الأمر أعمق من ذلك بكثير. إن الأمر ��تعلق بمواطني الغد الذين أنجتهم المدرسة العربية، الذين لا يقبلون على قراءة ما ليس في “المقرر” الوزاري. الأمر الذي يجعل من البحث في التقنيات الجديدة مخرجا، وخصوصا الجانب المعرفي فيها، وقد عرف ما يسمى بـ “التربية الترفيهية”، أي اقتران مقومات “التربية” مع معطيات الأجهزة الرقمية للترفيه.

• المعرفة واللغة والإبداع

وهى مسعى الطفل الجديد مع التقنية الجديدة: إذا كانت المعرفة الإنسانية على وجهين: وجه مادي تمثله العلوم الطبيعية، ووجه غير مادي تمثله الأديان والفلسفة والفنون والآداب. قديما خلال المراحل الأولى لتطور الإنسان، اعتمدت المعرفة على الأساطير والطقوس، من خلال علاقة الإنسان بالطبيعة من حوله، وبالتالي لم تنفصل المعرفة عن الإبداع. وقد حاول البعض تعريف “الإبداع” بكونه الإتيان بالجديد، وهو تعريف غامض، فليس كل جديد يعد إبداعا. لعله تعريف ناقص لم يعط الإبداع الفني والأدبي دلالاته (الإبداع الجمالي). ذلك الجمال الذي هو نتيجة ملكات أعلى (التفكير) والتي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات.

ربما من الأنسب القول بأن الإبداع هو “كل إتيان بجديد جميل من خلال توظيف ملكات أرقى”، سواء كان التعبير من خلال اللغة أو غيرها مثل الموسيقى وفنون التشكيل. هذا الإبداع أو المخاطبات توجه إلى السمع والبصر أو كليهما، وفى الفنون غير اللغوية يتحول الإبداع إلى أفكار من خلال اللغة التي نفكر بواسطتها دون أن تخرج من داخلنا. أما في الأدب الذي يخاطب الحس والشعور جماليا، ويخاطب العقل بما فيه من أفكار. أي أن الأدب يخاطب مستوى الشعور والإحساس مع العقل، بالتالي كان الأكثر شيوعا في بناء المعرفة.

ومع معطيات الرقمية أو التكنولوجيا الجديدة في الاتصال والإعلام، بكل وسائطها المرئية والمسموعة والمكتوبة والممغنطة والالكترونية، ماذا عن حال الإبداع فيها؟ هل هناك مفهوم جديد للإبداع بالنظر إلى هذا المعطى الجديد، وبالتالي كيف نقرأ معطيات “الإبداع” الجديد والمتاح أيضا؟

*عناصر الإبداع الجديد

وسائط التقنية الرقمية، هي: الصورة – الصوت – اللون والرسم، ثم الحركة، بالإضافة إلى الكلمة. وتجيء الكلمة في النهاية (بعد أن كانت قبلا “الكلمة” في المقدمة) وهو ما يعنى أن “النص الرقمي” متعدد الأدوات، ومتنوع، يخاطب الأحاسيس والمشاعر ولم يتخل عن العقل. سوف نتناول عنصر “الصورة” أكثر تفصيلا، نظرا لكونها في مقدمة التقنية الجديدة، حتى سمى العصر الجديد بـ “عصر الصورة”.

“الصورة” نصا ثقافيا.. قال “أرسطو”: “إن التفكير مستحيل من دون صور”. فيما قال “آبل جانس” عام 1926: “إننا نعيش بالفعل في عص�� الصورة”. وهو ما أكده رولان بارت. ويقول ريجيس دوبرى: “الصورة رمزية, غير أنها لا تملك الخصائص الدلالية للغة, إنها طفولة العلامة, فالصورة ذات فضل لأنها أداة ربط, لكن بدون مجموعة بشرية متماسكة, تنتفي الحيوية الرمزية”.

الآن لا يمكن تصور الحياة المعاصرة من دون الصور. فالصورة حاضرة في الأسواق وفى الوسائل التعليمية, وعبر الإعلام والفنون المرئية, وأخيرا على شاشات الكمبيوتر. حذر البعض من هذا الطغيان للصورة على ثقافة الإنسان, حتى تنبأ أحدهم بهيمنة التليفزيون ليحل محل الكلمات, وبالتالي سوف تقتصر الكلمات على المكاتبات والكتب التي بدورها سيقل قراؤها, وتتعدد السلبيات.

إن للصورة مميزات وخواص تجعلها على قدر من الأهمية لا يمكن إغفاله. فالصورة لها طبيعة رمزية واختزالية معا, يحكمها قانون: “أن ترى يعنى أن تختصر”, لذا وصفت الصورة بواقعيتها, فهي قادرة على التوصيل الناجح بتأثير أكبر من تأثير الكلمة (لوحظ أن استيعاب الفرد للمعلومات يزداد بنسبة 35% عند ﺇستخدام الصوت والصورة معا).

كما أنه تم إعداد وإنتاج الأجهزة والمعدات التي توظف الصورة, وهو ما يطلق عليه (تقليد الصور الإيجابية), سواء للتدريب أو التعليم على المهارات المختلفة مثل: تعليم قيادة السيارات والطائرات حتى الطائرات الحربية, وفى مجال التعليم الطبي بالصورة بعرض العمليات الجراحية (مباشرة أو على CD), وفى مجال التشخيص الطبي, بل وحتى إجراء العمليات الجراحية عبر شاشات الصور الرقمية عبر الآف الأميال, وغيرها الكثير من المجالات.

أما صور “الواقع الافتراضي”, فهو مصطلح قال به العالم “جاردن لانير”, حيث يشعر مستخدمو الكمبيوتر أنهم يعايشون العوالم التي يقوم الكمبيوتر بتخليقها, بالصورة والصوت واللون والخط وغيرها من الأنظمة الخاصة بالكمبيوتر.

وهناك علاقة ما بين الصورة والثقافة البصرية. الصورة بوصفها قيمة ثقافية تقع في مرحلة تالية بعد عدد من المراحل عاشتها ومارستها البشرية طوال تاريخها على الأرض. بداية بالشفاهة ثم التدوين والكتابية, باعتبارها تمثل مع هذه المراحل (السابقة) أشكال وصيغ التعبير في الثقافة البشرية, ومن ثم تجلت الصورة بوصفها علامة ثقافية, ومصدر ﺇستقبال وتأويل.

لقد أتاحت تكنولوجيا “الكمبيوتر” دخول فئات بشرية عريضة (صغيرة السن وكبيرة.. فقيرة نسبيا وثرية.. متفاوتة درجات التعليم والمعرفة العامة) أتيح لها بسهولة ويسر اقتحام عالم الاستقبال الثقافي الجديد، وهي تلك الفئات التي كانت مهمشة في السابق، لذا يجزم د. عبدالله الغذامي قائلا:

“جاءت الصورة لتكسر ذلك الحاجز الثقافي والتمييز الطبقي بين الفئات، فوسعت من دوائر اﻹستقبال وشمل ذلك كل البشر فتو��عت القاعدة الشعبية للثقافة وهذا دور خطير تحقق مع الصورة .”

فمن فعاليات الصورة (في الإعلان والإعلام والدراما) ما تلعبه بوصفها نصاً متحركاً، قابلاً للتصديق باعتبار أن الخبر المصور يحول المشاهد إلى شاهد عيان، ونظرا لتدخل عناصر إضافية مهمة (الإخراج والمونتاج وغيرها) في العمل, حيث أثبتت بعض الدراسات أن جمهور المشاهدين لم يعد يصدق الصور، ولم يعد يأخذها كما هي، وإنما يتراوح بين تكذيب ساخر إلى تصديق أعمى!

كما يبرز الغذامي خمسة أسس تمثل ما يدعوه بـ “نحو الصورة” وهي: إلغاء السياق الذهني للحدث، السرعة اللحظية، التلوين التقني، تفعيل النجومية وتحويل الحدث إلى نجومية ملونة، القابلية السريعة للنسيان أو إلغاء الذاكرة.

* الصوت معضد للصورة في اللغة الرقمية. يعد الصوت وسيط مهم بين الإنسان والبيئة التي يعيش فيها، وهو عادة يقسم إلى صوت مرتفع وآخر منخفض، أو أصوات منفرة وأخرى محببة. وقد بدأ الموسيقى شيفر دراساته حول كون الصوت مجالا مهاما في الاتصال، أو “اﻹتصال الصوتي”. وقد تبعه في البحث “تروا”، الذي خلص إلى أهمية الصوت في كونه وسيلة لتبادل المعلومات. وخلص إلى أنه عادة يرجع الصوت إلى السؤال: ما أو من؟ أي السؤال عن مصدر الصوت، إلا أنه لاحظ أن بيئة المستقبل، يمكن أن تتقبل أصوات ربما حادة أو منفرة، مثل تلك الصفارة (الصوت الحاد) التي تسبق تشغيل الإنترنت، ومع ذلك لا يشعر المستمع بالنفور، لأنها تهيىء المستمع إلى الدخول في الشبكة العنكبوتية.

* إجمالا يمكن الإشارة إلى أن عناصر بناء الأعمال الإبداعية والفنية: “الرسم واللون”، “الحركة”، “الكلمة”. بالإضافة إلى الصورة والصوت ضمن المعطيات الرقمية، كلها تلعب دورها المتميز جماليا ومعرفيا من خلال الكمبيوتر أو وسيلة التقنية الرقمية في التليفزيون والتليفون المحمول وغيره.

الجديد أن تلك التقنية أبرزت الصورة وجعلتها في المقدمة، بينما أزاحت الكلمة إلى المؤخرة! وهو ما دعي البعض إلى دراسة تلك المعطيات والبحث عن بلاغة جديدة لها، وهى ما عرفت بالبلاغة الرقمية، وهو ما قالت به د. عبير سلامة:

هي “فن الإقناع في وسائل الإعلام الإلكترونية، أو فن توجيه المحتوى – في أنواع جديدة من الخطاب، كالبريد الإلكتروني، صفحات المواقع، ألعاب الفيديو، المدونات، والصور المعدّلة ليناسب الوسط الذي يُقدم عبره (الإنترنت). البلاغة هنا تهتم بالعلاقة بين الصورة والنص (في الأفلام، الإعلانات، صفحات الإنترنت، الخ)، الصور في البلاغة المرئية تعبيرات عقلية عن المعني الثقافي”.

يستوعب مصطلح بلاغة الإنترنت جوانب جديدة للدراسة، قد يساعد في تفسير كيفية الإقناع/ التأثير في هذه البلاغة، عندما يُعاد تشكيلها في الوسط الإلكتروني، والأهم أنه يساعد في تفسير كيف يدعم الاتصال طرق التعبير عن الذات والإبداع المشترك؟ فبلاغة الإنترنت تُقاس علي جانبين: الأول وظيفي (مجموع ما يجعل الموقع مُستخدما بسهولة، ومُفضلا)، والآخر جمالي (اﻹعتبارات المرئية، النصية، والتفاعلية).

*واقع الطفل العربي على الشبكة العنكبوتية:

يلاحظ المتابع أن “الطفل” يوجد على الشبكة، ضمن مواقع ذات اهتمامات أخرى، غير الطفل (غالبا) منها مواقع المرأة، المواقع الطبية، مواقع تعليمية، مواقع المجلات والدوريات الورقية، مواقع عقائدية ودينية.. ثم بعض مواقع الألعاب والتسلية والتي غالبا ما تكون ضمن نشاطات إحدى المحال الكبرى لترويج بضائعها.

لعل مجمل سلبيات تلك المواقع في مجملها:

: عدم اﻹلتزام الدقيق بخصائص المرحلة العمرية للطفل, وحتى الآن لا يوجد في المواقع العربية ما يشير إلى المرحلة العمرية الذي يخاطبها. وكأن الموقع يرى وضع كل الأطفال في سلة واحدة.

: مخاطبة الطفل الأنثى والذكر على قدر واحد من التناول؛ سواء في الموضوع أو المعالجة, على الرغم من أهمية التمييز بين الجنسين خصوصا بعد الثانية عشرة.

: تقديم المفاهيم الغربية للأعمال المترجمة للطفل بشخصياته, ومفاهيمه وكأنه الشخصية النموذج الذي يجب على الطفل الإقتداء به.. فشاعت شخصيات “السوبر مان”, “الرجل الأخضر”.. وغيرهما بكل ما تحمله من مفاهيم أقل ما يقال فيها إنها في حاجة تدجين ومواءمة, وتلك المواقع لم تختلف عن بعض المجلات المترجمة للطفل ويتم تداولها في الأسواق.

: سهولة النشر, والرغبة في الوجود على شبكة الإنترنت, شجع البعض على اقتحام عالم الطفل, دون دراسة حقيقية لاحتياجات الطفل, وبلا وعي بخصائص الطفل النفسية والتربوية والسلوكية.

: أما عن مضامين الموضوعات التي تقدم للطفل, فهي على شقين إما البعد عن روح الطفل في التناول مع تقديم المعلومة قبل التناول الفني، أو اﻹهتمام بالمعلومة البعيدة دون القريبة, وربما أنسب مثال على ذلك, تناول وتقديم الشرائع الإسلامية قبل الاهتمام بالسلوك الإسلامي والدلالة القيمية, وهي التي يحتاجها الطفل أكثر.

لذا فالبدء في تصميم البرامج الثقافية والتربوية والتعليمية للطفل, يعد الخطوة الأعلى لإنجاز تلك المهمة.. مع ضرورة توافر ملمح عام ومهم:

: أن يوفر للطفل المعلومة، وإبراز السلوك القويم والقيم العليا, كل ذلك في إطار جذاب وشيق, معتمدا على مراعاة المرحلة العمرية للطفل, مع إعمال التفكير الابتكار لدى الطفل.

: كما أن توفير الأسطوانات أو الأقراص الإلكترونية (الديسكات) بات شائعا, ولا يجب إغفال أهميته كخامة وكوسيلة قادرة على احتواء كم هائل من المعرفة.

: أن يضم الديسك أو الأسطوانة على التتابع والتوازي، المادة اللغوية والمادة الفنية أو الرسومات المكملة التوضيحية. وقد وجد المختصون أن الألوان “الأصفر- الأحمر -الأزرق” هي أهم الألوان للطفل حتى سن التاسعة.

: كما يجب أن يكون الخط واضحا وكبيرا.

: يجب أن تكون الرسوم مكملة للمعنى, بل ويمكن اﻹستغناء عن المفردات الكثيرة, مقابل التوضيح بالرسم مع الجمل القصيرة. هذا بالإضافة إلى إبراز الصورة المقربة, وإهمال الخلفية في الرسوم التوضيحية, وتوظيف تقنيات الكمبيوتر في إبراز الصورة من أكثر من جانب أو بأبعادها الطبيعية.

: مع استخدام التقنيات الحديثة في إطار من الإخراج الفني الملائم الجذاب.

: البعد عن النصح والإرشاد وبالعموم عن المباشرة وإصدار الأوامر للطفل, حتى يعتاد الطفل على ﺇستنتاج الحقائق.

: أن تغلب روح الطفولة على المادة المنشورة (الملائمة لسن الطفل ولجنس الطفل).

: تقديم المادة الثقافية/العلمية/التعليمية في إطار يحث الطفل على المشاركة, وتأهيله للتفكير اﻹبتكار, بعيدا عن التلقين.

: أن يصبح التعامل مع جهاز الكمبيوتر ومعطياته (في النهاية) لعبة بين يدي الطفل.

أخيرا.. لم يفقد الكتاب التقليدي مكانته (ولن!!), أما القضية فهي ضرورة اﻹستفادة من المنحازات التقنية الحديثة, فالإرادة البشرية وحدها هي القادرة على توجيه أي أنواع تكنولوجية تستجد في ساحة المعرفة. ولا خيار أمامنا إلا الهرولة نحو إنجاز الطفل العربي القادر على التعامل مع التقنيات الجديدة.

• نماذج إبداعية من أدب الطفل:

نالت تقنيات الثورة الرقمية الجديدة ﺇهتمام المبدع، نظرا لتأثيرها المباشر وغير المباشر على حياة الإنسان اليوم. وقد عالج المبدع العربي (نماذج من مصر فقط) في مجال الطفل هذا المعطى الجديد، من خلال رصد ملامحه والتعبير عن مدى تأثيره بل والبحث عن التضاد والتناقض الذي قد يتجلى بهيمة التقنية الجديدة وإنسانتها.. على الإنسان الذي اخترع التقنية وابتكر آلياتها!

أولا: قصة “روبوت سعيد جدا” بقلم “السيد نجم”.. في البحث عن ملامح التقنية الجديدة وعلاقتها المستقبلية بالإنسان.

موجز القصة بتدخل: “الجميع سعداء بمناسبة حصول ماما [د. عزة] على جائزة علمية. يعد الأب لمفاجأة بشراء مكتبة ميكروفيلم لأولاده، بينما كانت مفاجأة الأم [روبوت] أو [إنسان آلي] يعمل في المنزل للتنظيف وإعداد الطعام وإنجاز كل شئون المنزل، وليحقق كل رغبات من في المنزل. وقبل وصول المفاجأة يتساءل الجميع عن بعض المعلومات حول آليات عمل هذا الإنسان الآلي، وأسراره العلمية.

بوصول [الروبوت] تبدو بعض المتناقضات: فحين يقرأ مع الابنة مي في كتاب. يقرأ سريعا ويطلب الانتقال إلى الصفحة التالية في ثوان، لأنه يصور الصفحة التي يقرأها ولا يقرأها كلمة فكلمة. ثم يأتي ميعاد الغداء ويقدم الطعام باردا، بل ويرفض تسخينه، لأنه لا يعرف معنى تسخين الطعام. وسرعان ما يطلب من الجميع النوم بعد الظهر لفترة قصيرة، وسرعان ما يطالبهم بالإيقاظ لشرب شاي بعد العصر، بل ويقدم الشاي حسب رغبته هو، ولا يهتم أن يطلب أحدهم أن يضاف عليه اللبن أو يضاف كمية سكر أكثر مما قدم… وهكذا لأنه مبرمج وتم تجهيزه بعدد من الأوامر ولا يستطيع الإنسان الآلي إلا أن ينفذها.

ونظرا لانتشار تلك المصانع الصغيرة أو [الورش] التي تقوم بتصنيعه.. حملته د. عزة إلى المهندس صاحب الورشة وشكت له عناد الروبوت، بل وجهله بتفاصيل الحياة ورغبات الأفراد.

فابتسم المهندس صاحب الورشة وأخبرها أنه سوف يقوم بتطوير البرنامج الخاص بالروبوت حتى يمكنه احترام رغبات الأفراد. أي أن يجعله يتمكن من التفكير والابتكار وليس فقط تنفيذ البرنامج الداخلي فيه!”

واضح إذن التناول الفني باستشراف مستقبل التقنيات الرقمية الجديدة.

ثانيا: أشعار حول “الحاسوب” بقلم “أحمد فضل شبلول”.. وفيها يعالج الشاعر في ديوانه “تغريد الطائر الآلي” الإبهار والإعجاب ومشاعر اﻹستلاب بمعطى هذا “الكائن” الجديد.

يقول: معجبا بهذا المعطى الجديد “الحاسوب”:

“افتحْ خانات الأسرار

وأجمعْ كل بنات البحر الهدَّار

وتحسسْ أنباء القلب المبحر في الظلمات

فعدوي الآن يقاتلني

بالمعلومات”

ويقول؛ وقد غلب الشاعر مشاعر اﻹستلاب:

“ها هو الحاسوب يهمي

بمرايا المعرفة

وغدا.. نسهوا عن البحر

ونجري

فوق أشواك النجوم الزائفة”

وبمتابعة تواريخ قصائد “تغريد الطائر الآلي”، يلمح أن بعضها كتب في عام 1996، وهو ما يشير إلى انشغال الشاعر بمعطيات تلك التقنيات الجديدة مبكرا.

ثالثا: قصة “شات.. شات.. شات، من مخاطر الإنترنت” بقلم سنية عامر. وفيها تسعى الكاتبة إلى ملاحقة الجانب الأخلاقي في التعامل مع التقنية الجديدة.

تقع القصة في أربعة أجزاء: “العالم كتاب مفتوح”، “كل شيء يهتز”، “العالم.. قرية من الشات”، “أعيدوني إلى أمي”.

موجز القصة بتدخل: ريم الخطيب في احتفال لليونسكو بمناسبة حصولها على شهادة عالمية، بينما عمرها تسع سنوات. تتحدث إلى الحضور بسعادة وشكرت أمها التي أعطت كل مفاتيح هذا العالم السحري “تقنيات جهاز الحاسوب”. وبهذه المناسبة اشترت لها أمها جهازا جديدا خاصا بها. وبدأت “ريم” تعمل عليه فورا. وبينما تطرح عليها فكرة عمل قديمة مثل أن الأسد هو الملك والفيل هو الوزير.. وهكذا، يرفض الحاسوب المشاركة، ويطلب ��ن ريم رصد الحقائق لأن أطفال اليوم أكثر نضجا.

وفى اليوم التالي وهي تلعب بإحدى ألعاب الحاسوب، تشعر وكأنها دخلت عالما آخر، فاللعبة بها من العنف وسوء السلوك والقيم الكثير. لم تنته اللعبة حتى خرج لها “الفيروسات” الالكترونية تهاجمها وتفتك بها أو تكاد. ثم في فصل كامل تتعامل ريم مع الايميل والشات، حيث تتعرف على صديق من مصر (علاء). ومع دوام التعامل مع الحاسوب يحدث ما لم تتوقعه ريم، حيث تم خطفها من كائنات فضائية، ولم ينقذها إلى شات أو ايميل إلا صديقها علاء.”

لعل الملمح اللافت في تلك القصة، هو حرص الكاتبة على إبراز أخلاقيات التعامل مع الحاسوب، وإرشاد الطفل إلى كيفية الاستفادة منه كجهاز للمعلومات والمعرفة.

• أخيرا وضح الآن للجميع أن المعطيات الرقمية الجديدة باتت هي المستقبل، وأن الطفل هو الأمل في ملاحقة العصر الرقمي الجديد، وأن أدب الطفل لم يخلُ من الرؤى المختلفة والمتعددة حول القراءة الالكترونية وأثرها في الإبداع للطفل، مثل ما هو لغيره.

Source: التقنية الرقمية وأثرها على الإبداع الجديد للطفل – مدونة المناهج السعودية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock