إجابة أي سؤال لدى غوغل: كيف يؤثر ذلك على التعلم والمعرفة البشرية؟
أصبحت محركات البحث جزءًا من حياتنا، والكثير منا يستخدمها كل يوم، إنها تساعدنا على الوصول إلى المعلومات والإجابة عن جميع الأسئلة عبر عدة نقرات، لقد غير ذلك حياة البشر كثيرًا، ووفر كمية غير محدودة من المعلومات في متناول أي شخص.
يبدو هذا رائعًا، لكن الكثير من الناس يعتقدون أن توفر مصدر كبير للمعلومات ومتاح بسهولة في متناول الجميع يمكن أن يؤثر سلبًا على قدراتنا المعرفية وطريقتنا في التعلم.
تؤثر على الخيال
لطالما كان الخيال والتفكير المتعمق في المعلومات هو المحرك الأساسي لتطور معرفتنا وفهمنا للعالم. في الماضي، كان البحث عن المعلومة يتضمن طريقة مدروسة يتم تنفيذها ببطء، ما يعطي أدمغتنا الوقت الكافي للتفكير والتخيل والإبداع.
لكن محركات البحث غيرت كل ذلك، فبعد أن كان البحث عملًا يحتاج جهدًا فكريًا ووقتًا طويلًا، أصبح عملًا بسيطًا وسهلًا يتم خلال ثوانٍ فقط، ما يجعلنا نقضي وقتًا أقل في التفكير وتحليل المعلومات التي نبحث عنها.
العلم لم يعد خاضعًا للنقاش
قبل ظهور محركات البحث وشبكة الإنترنت، كان مصدر المعلومات الرئيسي هو الكتب، الاعتماد على الكتب يجعل البحث عن المعلومات عملًا اجتماعيًا، حيث يزور الناس المكتبات ويتقابلون لمناقشة المعلومات فيما بينهم.
بالإضافة إلى ذلك، كان حجم المعلومات التي يمكن الوصول إليها في الماضي محدودًا، وبسبب ذلك، كنا بحاجة إلى تعزيز فهمنا لتلك المعلومات عن طريق طرح الأسئلة والنقاش مع المدرسين وأمناء المكتبات والأصدقاء والأطباء وغيرهم.
الآن، لسنا بحاجة إلى القيام بذلك، فكل ما نريده من معلومات وأسئلة تخطر على بالنا متوفرة دون الحاجة للاعتماد على الآخرين. لم يعد الطلاب في المدارس والجامعات يطرحون أسئلتهم على المدرسين أو الأصدقاء، بل يبحثون عنها في محركات البحث. وبذلك، تحول البحث العلمي إلى عمل فردي بعد أن كان في الماضي عملًا اجتماعيًا.
كمية هائلة من المعلومات
عند استخدام محركات البحث، سنجد الكثير من المعلومات ذات الصلة بالموضوع الذي نبحث عنه. هذا يعني أن علينا التعامل مع كمية كبيرة من المعلومات حتى حين نجري بحثًا للإجابة عن أسئلة بسيطة، هذا الأمر له تأثير سلبي على الدماغ. فالحصول على الكثير من المعلومات يمكن أن يشتت الدماغ ويجعل عملية اتخاذ القرار أكثر صعوبة.
تعرف الحالة التي تؤثر فيها المعلومات الكثيرة على أدمغتنا باسم “الحمل الزائد من المعلومات”، هذه الظاهرة السلبية التي يعاني منها الكثيرون تكون ناتجة عن الفرق بين كمية المعلومات المتوفرة والمتاحة، وكمية المعلومات التي يمكن استيعابها وفهمها، ويبدو أنها قد تسبب الشعور بالتعب والتوتر والارتباك، حتى أنها يمكن أن تؤثر على التركيز، ما يجعل الشخص غير قادر على إتمام البحث أو تحليل المعلومات المتوفرة ودراستها.
توفر المعلومات بسهولة يؤدي إلى تجاهلها
إن الوصول إلى المعلومات بسهولة يمكن أن يجعل الشخص يركز فقط على طريقة الوصول إليها ومكان وجودها دون الاهتمام بمضمونها، هذا ما وجدته دراسة بحثية نشرتها مجلة Science، ركزت الدراسة على طلاب الجامعات وقدرتهم على تذكر المعلومات. وأظهرت النتائج أن الطلاب الذين يعرفون أنهم سيكونون قادرين على الوصول إلى المعلومات بسهولة عبر الإنترنت في المستقبل، يمكنهم تذكر طريقة البحث ومكان العثور على المعلومات بسهولة. لكن في المقابل، لم يتذكر هؤلاء الطلاب سوى القليل من المعلومات نفسها.
تقدم نتائج متحيزة
تعتمد غوغل على خوارزمياتها لتصنيف نتائج البحث، وعلى الرغم من أن طريقة عمل هذه الخوارزميات غير معروفة، إلا أننا نستطيع من خلال تحليل بعض النتائج أن نستنتج طريقة عملها وآلية تصنيف النتائج التي تظهر للمستخدمين.
بشكلٍ عام، تحاول غوغل تخصيص النتائج لكل شخص، هذا يعني أن النتائج التي تظهر لك قد تختلف عن النتائج التي تظهر للآخرين، حتى حين تبحثون عن نفس الشيء، يتم تخصيص النتائج وفقًا لسجل البحث السابق واهتمامات الشخص وموقعه الجغرافي.
تخصيص نتائج البحث يقدم فائدة كبيرة للمستخدمين، على سبيل المثال، حين تبحث عن فندق للإقامة، فأنت لن تهتم بالفنادق الموجودة على الجانب الآخر من الكوكب، لذلك، يقوم غوغل بعرض نتائج البحث عن الفنادق في موقعك. ألا يبدو هذا رائعًا؟
ليس دائمًا، فعرض النتائج بشكل مخصص لكل شخص يعني أن هذه النتائج منحازة وغير حيادية، هذا التحيز إذا كان مفيدًا عند إجراء بحثٍ عادي، لن يكون كذلك عند إجراء الأبحاث العلمية، فالحيادية وعدم التحيز عوامل أساسية من عوامل نجاح الأبحاث العلمية والدراسات، وبدونها يمكن أن تتأثر النتيجة النهائية.
دعني أوضح مثالًا حول تأثير التحيز في البحث العلمي، لنفترض أنك تعد بحثًا عن منطقة شبه جزيرة القرم، إذا كنت تجري بحثك في أوكرانيا، فإن خرائط غوغل ستظهر شبه جزيرة القرم كجزء من الأراضي الأوكرانية، حيث نجد الحدود الفاصلة بين شبه جزيرة القرم وبين الأراضي الأوكرانية منقطة، ما يعني أنها مقاطعة أوكرانية، لكن ذلك يتغير إذا كنت تبحث من روسيا، حيث تلاحظ وجود حدود رسمية تفصل بين شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، فتظهر المنطقة جزءًا من روسيا. يحدث هذا بسبب النزاع على شبه جزيرة القرم بين روسيا وأكرانيا، ولإرضاء الطرفين المتنازعين، تعرض غوغل ما يريده الروس في روسيا، وما يريده الأوكرانيون في أوكرانيا.
وجهة نظري في هذا المثال ليست ضد غوغل، لكنني أريد أن أوضح أن محرك البحث مضطر للتلاعب بالنتائج وتغييرها في حالات معينة، وأن بعض المعلومات التي يقدمها لا تكون دقيقة ولا يمكن اعتمادها علميًا.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى الكثيرون إلى استغلال آلية عمل خوارزميات غوغل كي تظهر مواقعهم في نتائج البحث الأولى، فمثلًا، توظف بعض الشركات الكبرى أشخاصًا بدوام كامل تكون مهمتهم فقط تعديل المحتوى ليظهر في النتائج الأولى لمحرك البحث، يشير ذلك إلى أنه من الممكن التأثير على نتائج البحث التي تظهر للمستخدمين.