الأنشطة وتأثيرها في بناء وتكوين الشخصية المهنية
تعرفنا في مقالات سابقة على عدة مفاهيم ونظريات أكدت أن ��لمسار المهني أصبح أكثر من مجرد الحصول على عمل، بل هو في الحقيقة مفهوم لنمط الحياة الذي يضم مجموع خبرات الشخص على مدى العمر، وأنه رحلة مستمرة تبنى على عدة مدخلات وعوامل تؤثر على اختيارات الفرد المهنية. ومن أهم تلك العوامل هي الأنشطة سواء الاجتماعية والفنية والرياضية وغيرها التي يمارسها الفرد، و خاصة في المراحل الأولى من حياته. لذلك، يجب أن نلقي الضوء على أهمية الأنشطة ودورها الفعال في حياة الفرد المهنية.
مجالات الأنشطة
تتعدد مجالات الأنشطة بتعدد الأهداف المراد تحقيقها، فالأنشطة في مجملها تشمل جميع المجالات التي تشبع حاجات الفرد البدنية، والنفسية، والاجتماعية. مجالات الأنشطة لا حصر لها، على سبيل المثال:
- مجال الأنشطة الرياضية الذي يشمل جميع الرياضات والأنشطة الحركية والبدنية.
- مجال الأنشطة الثقافية الذي يشمل الكتابة والقراءة، والإعلام والندوات، وكل ما يرتبط بالتنمية الثقافية.
- مجال الأنشطة الفنية الذي يشمل الجوانب الفنية كالرسم، والموسيقى، والتمثيل المسرحي والتصوير وغيرها.
- مجال الأنشطة الاجتماعية الذي يشمل جميع الأنشطة التي تهدف إلى التنمية الاجتماعية وخدمة المجتمع.
وهناك العديد من المجالات الأخرى، مثل: الأنشطة العلمية، والمهنية، والبيئية، وغيرها من الأنشطة التي تحقق أهداف تربوية وسيكولوجية، وتساعد في اكتساب المزيد من المهارات والخبرات ومعرفة الاتجاهات العلمية والعملية.
تأثير الأنشطة في مراحل حياة الفرد
من دور الآباء والمدارس الاهتمام بتخطيط وتوفير مجالات الأنشطة التي يمكن أن تكون مرغوبة لدى الفرد، ويكتسب من خلالها خبرات مفيدة تتلاءم مع متطلبات النمو لكل مرحلة عمرية. فمن خلال ممارسة تلك الأنشطة، يتمكن الفرد من تكوين صورة حقيقية عن نفسه وعن ما يتمتع به من اهتمامات ومواهب وإمكانيات. سنوضح أهميتها في المراحل الحياتية الآتية:
أولا: رياض الأطفال، من سن 3 إلى 6 سنوات:
يجب أن يشترك الطفل في أنشطة تكون على شكل ألعاب جماعية حرة، والتي يستطيع من خلالها التخيل ويكثر من الأسئلة حول الأشياء والأشخاص من حوله؛ وذلك ليتحقق النمو السليم لحواس الطفل ويكتسب المهارات الأساسية مثل الخبرات اللغوية، والحركية، وتنمية قدرته العددية، ومفهوم الأشكال والأوزان، كلا من الزمان والمكان. كما يجب توفير الأنشطة التي تهدف إلى غرس القيم الإنسانية السليمة وتنمية الخلق الحسن والسلوك المستقيم.
ثانيا: المرحلة الابتدائية، والتي تبدأ من سن 7 إلى 12 سنة:
تهدف الأنشطة إلى كشف ميول الطفل والاستجابة لهواياته وقدراته الخاصة. فيجب أن يمارس الطفل في هذه المرحلة العديد من الأنشطة المهنية وإتاحة الفرص له لخوض تجارب عملية؛ ليتعرف على المهن السائدة في البيئة، وتوضيح الخدمات التي تقدمها، ومدى حاجة المجتمع لها. ويبدأ الطفل من خلال تلك الأنشطة في إدراك الذات المهنية وتحديد ما يحبه وما لا يحبه من المهن. في هذه المرحلة أيضا يجب أن تهدف الأنشطة الاجتماعية والرياضية وغيرها إلى تنمية بعض المهارات الأساسية، مثل: تنظيم الوقت والاستفادة منه، ومهارات الاتصال والتعبير عن الرأي، تعزيز القيم الاجتماعية الهادفة كالتعاون والتسامح، والإسهام في غرس وتنمية العديد من المبادئ السلوكية كالتحدي والمثابرة والانضباط وتحمل المسئولية والثقة بالنفس وغيرها من الصفات الشخصية المهمة والأكثر تأثيرا لنجاحه في المستقبل.
ثالثا: مرحلة المراهقة:
في هذه المرحلة تبدأ مرحلة اكتشاف الذات والبحث عن الهوية الشخصية. وهنا يكون دور الأنشطة أكثر عمقا وتأثيرا. هنا يجب أن تهدف الأنشطة إلى تطوير إدراك الذات المهنية عند الفرد ليكون أكثر وعيا بميوله وقدراته وقيمه وإدراك مصادر قوته الشخصية وحسن استغلالها وتنميتها. ويجب أن يشترك الفرد في الأنشطة العلمية والعملية المختلفة، مثل: الزيارات المهنية لبعض المؤسسات والشركات، والمصانع، والأنشطة البحثية، والمسابقات العلمية والابتكارية، وغيرها من الأنشطة التي تساعده على اختيار التخصص الدراسي واكتشاف المجالات والتخصصات المهنية، وتطوير معرفته بعالم العمل ليصبح لديه تفضيلات مهنية محددة. وفي هذه المرحلة أيضا يستطيع الفرد من خلال الأنشطة الجماعية المختلفة محاكاة الأدوار والمهام التي سيمارسها في المستقبل وتساعده على اكتساب مهارات جديدة التي لها انعكاس على شخصية وسلوك ونمط تفكير الفرد، مثل: مهارات القيادة، وصنع القرار، والتواصل الفعال، وتنظيم المجموعات.
الخاتمة
ومع تطور مراحل الحياة المهنية وازدياد مسؤوليات الفرد الوظيفية والتزاماته المادية والعائلية، يبدأ الفرد في توجيه كل تركيزه ووقته ومجهوده للعمل، وتقليل الاهتمام بكافة الأنشطة الأخرى ظنا منه أن ذلك إهدارا للوقت، وينبغي أن يقضيه في بناء مستقبله المهني. ولكن في الحقيقة، تجاهل تلك الأنشطة بصفة مستمرة يساهم في اندثارها كليا وما تحمل من مهارات وقدرات مكتسبة من خلالها، ومع مرور الوقت يشعر الفرد بالإحباط وعدم التوازن. لذلك، يجب أن يحرص الفرد على ممارسة أنشطة مختلفة لا تكون مقترنة بمهام العمل والمسؤوليات والواجبات اليومية؛ ليتعرض من خلالها لمواقف وتجارب تضفي لخبرته وتوسيع دائرة معارفه، وتساعده على الإبداع والابتكار، وقد توفر له فرصة عمل جديدة.
Source: الأنشطة وتأثيرها في بناء وتكوين الشخصية المهنية – مدونة المناهج السعودية