حدائق بابل المعلقة – ماذا حدث لهذه الأعجوبة القديمة؟
حدائق بابل المعلقة – ماذا حدث لهذه الأعجوبة القديمة؟
عندما تصل إلى قرية صغيرة ومغبرّة تقع على بعد حوالي 80 كيلومترًا من مدينة بغداد، عليك أن تعرف أنك وصلت إلى مكان كان في يوم من الأيام أول مدينة كبرى في العالم، وربما سكنها حوالي 200 ألف شخص، نحن نتحدث عن مدينة بابل.
أصبحت مدينة بابل مكانًا اسطوريًا يتحدث عنه البشر في كل مكان، بفضل ما حكي عن حدائق بابل المعلقة التي تم تشييدها.
لكن اليوم، لا يوجد في هذا المكان سوى أنقاض وطوب متآكل بفعل الشمس والرياح، هذه البقايا لا يمكن أن تخبرنا عن عظمة وجمال المدينة التي كانت تعتبر لقرون أجمل مدن العالم.
بابل كانت لفترة طوي��ة مدينة أسطورية مذكورة في الكتاب المقدس كرمز للشر، حيث يسكنها شعب متعجرف أراد الصعود إلى الجنة ببرج، فسلطت عليها لعنة الخالق.
بالفعل، بالنظر إلى أنقاض مدينة بابل، يبدو أن لعنة الخالق قد تحققت، فبعد احتلال الفرس للمدينة، ثم احتلال الإسكندر الأكبر لها، فقدت المدينة مركزها، لكنها بقيت قائمة، وتدريجيًا خلال القرون التي تلت ميلاد المسيح، اضمحلت بابل لتصبح قرية نائية يسكنها القليل من الناس.
بدء تقديم طلبات القبول الموحد للجامعات الأردنية 2022 وحدة تنسيق القبول الموحد admhec.gov.jo
حدائق بابل المعلقة
كانت حدائق بابل المعلقة أجمل ما في عاصمة الإمبراطورية البابلية الجديدة، التي بناها أعظم ملوكها نبوخذ نصر الثاني (605 – 562 قبل الميلاد). صنفت هذه الحدائق كواحدة من عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وهي الأعجوبة الوحيدة التي يتنازع المؤرخون على وجودها.
يقول العديد من علماء الآثار والمؤرخين أن هذه الحدائق لم تكن في بابل، بل في نينوى التي كانت عاصةً للامبراطورية الآشورية، فيما يرى البعض أن ما بقي من آثارٍ في بابل هو دليلٌ واضح على مكانة هذه المدينة قديمًا.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد بعض المؤرخين أن حدائق بابل المعلقة ليست سوى مجرد اسطورة غير واقعية من نسج خيال من عاشوا في ذلك الزمن، لكن العديد من الكتابات القديمة وصفت هذه الحدائق بدقة وكان وصفهم متشابهًا.
يبدو أن الشكل والوصف الغريب لحدائق بابل مقارنة مع الحدائق اليونانية، والغموض المحيط بموقعها واختفائها نهائيًا، هو ما جعل هذه الحدائق أكثر عجائب الدنيا السبع القديمة إثارةً للجدل.
بابل ونبوخذ نصر الثاني
بابل تقع حاليًا على بعد حوالي 80 كيلومترًا (50 ميلًا) جنوب العاصمة العراقية بغداد، يعود تاريخ استيطان البشر لهذه المنطقة إلى الألف الثالث قبل الميلاد. كانت أعظم فترة في تاريخ المدينة كانت القرن السادس قبل الميلاد، وذلك في عهد نبوخذ نصر الثاني عندما كانت المدينة عاصمة الإمبراطورية البابلية الجديدة.
تم تأسيس الامبراطورية البابلية الجديدة على يد والد نبوخذ نصر، الذي تمكن من الانتصار على الإمبراطورية الآشورية. تابع نبوخذ نصر انتصارات والده وتمكن من السيطرة على مدينة القدس (أورشليم) في عام 597 قبل الميلاد. ثم عمل على جعل عاصمة الامبراطورية البابلية إحدى أجمل وأروع المدن على الإطلاق، فأحاطها بسور من كل الأطراف لحمايتها، وبنى الحدائق المعلقة التي ذاع صيتها في كل أنحاء العالم.
الأدلة على وجود حدائق بابل
يعتقد أغلب المؤرخين أن بناء حدائق بابل المعلقة كان لغرض الترفيه فقط، وليس من أن أجل الزراعة وتوفير الطعام، في تلك الفترة، كان الأثرياء يزرعون حدائقهم الخاصة في منازلهم. والتي كانت تضم النباتات والزهور، بالإضافة إلى المنحوتات والجدران المزخرفة والبرك المائية.
يصف هيرودوت، المؤرخ اليوناني من القرن الخامس قبل الميلاد، نظام الري المثير للإعجاب في بابل والجدران، لكنه لم يذكر أي شيء عن حدائق، هذا لا يعد دليلًا على أن الحدائق غير موجودة، فهيرودوت زار أهرامات الجيزة في مصر وكتب الكثير عنها، لكنه لم يتطرق إلى ذكر تمثال أبو الهول.
أقدم وصف ذكرت فيه حدائق بابل المعلقة يعود للكاتب بيرُسوس عام 290 قبل الميلاد.
يصف بيرسوس المصاطب الحجرية العالية التي تشبه الجبال والمزروعة بأنواع من الأشجار الكبيرة والزهور. وقال إن المدرجات لم تخلق تأثيرًا جماليًا للحدائق المعلقة فحسب، بل جعلت ريها أمرًا سهلًا.
يشرح بيرسوس أيضًا سبب إنشاء حدائق بابل المعلقة، وذلك لجعل زوجة الملك البابلي أميديا تشعر بقدر أقل من الاشتياق لموطنها بلاد ماداي، والتي تقع حاليًا شمال إيران أو بلاد فارس آنذاك، للأسف، لا توجد إشارة إلى ملكة بهذا الاسم في السجلات البابلية.
تصف العديد من المصادر الأخرى حدائق بابل المعلقة، لكنها كل هذه المصادر كتبها مؤرخون بعد عدة قرون من عهد نبوخذ نصر، ولم يقم أي منهم بزيارة بابل.
يصف سترابو، الجغرافي اليوناني (64 قبل الميلاد – 24 ميلادي)، موقع الحدائق على نهر الفرات، الذي كان يمر في مدينة بابل القديمة، وآلة معقدة تنقل المياه من النهر لري النباتات في حدائق بابل. كما تحدث عن وجود سلالم للصعود إلى المستويات الأعلى.
هناك أدلة على وجود حدائق كبيرة في بلاد ما بين النهرين قبل حدائق بابل. حتى أن هناك صورًا لها، على سبيل المثال، عثر على لوحة للحدائق في نينوى، هذه اللوحة موجود الآن في المتحف البريطاني بلندن.
لهذا السبب، يقترح بعض علماء الآثار والمؤرخين أن فكرة حدائق بابل المعلقة غير واقعية بسبب عدم وجود دليل على وجودها، في حين تم اكتشاف أدلة عديدة تصف حدائق كبيرة في نينوى.
هناك أيضًا حدائق شهيرة تم ذكرها في عدة أدلة، مثل تلك الموجودة التي بناها كورش الكبير (المتوفى عام 530 قبل الميلاد) في جبال زاغروس، على سبيل المثال. تحتوي جميع هذه الحدائق عادةً على مدرجات للمساعدة في الري، وجدران عالية لتوفير الظل، وتم تجميع الأشجار معًا للحفاظ على رطوبتها بشكل أفضل وتحمل الرياح، وبالطبع، كانت تقع بالقرب من مصدر مياه وفير.
ارتبطت جميع الحدائق القديمة بالقصور (من الصين القديمة إلى أمريكا الوسطى) هذا ما جعل العلماء يعتقدون أن حدائق بابل، إن كانت موجودة بالفعل، ستكون قريبةً أو داخل أحد القصور الملكية لنبوخذ نصر على أطراف نهر الفرات.
عجائب الدنيا السبع
أثارت بعض الآثار من العالم القديم إعجاب البشر في كل مكان، وأصبحت سبعة منها معروفة بعجائب الدنيا السبع، كانت هذه العجائب السبع أشهر الأماكن السياحية في العالم القديم. وكان من أشهر هذه العجائب حدائق بابل المعلقة.
اقرأ أيضًا:درس مرئي عن بر الوالدين
الاكتشافات الأثرية
منذ عام 1899، بدأ علماء الآثار في التنقيب بمنطقة بابل القديمة، وتم العثور على الكثير من بقايا الجدران وبوابة عشتار، لكن لم يتم إيجاد أي دليل أو أثر من حدائق بابل المعلقة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يرد ذكر الحدائق في النصوص البابلية القديمة، على الرغم من أن هذه النصوص وصفت كل ما يتعلق بمدينة بابل وما يوجد فيها. لذا يعتبر المؤرخون أن عدم ذكر الحدائق في النصوص البابلية هو أكبر دليل على أنها لم تكن موجودة وهي مجرد أسطورة من نسج خيال البعض.
على الرغم من عدم وجود أدلة نصية على وجودها، من الصعب اعتبار أن حدائق بابل المعلقة مجرد أسطورة. ربما مع الزمن سنعرف الإجابة الصحية.